فصل: تفسير الآية رقم (57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن هنا يتبين لنا مظهر من مظاهر الإعجاز في رعاية الله تعالى لأصحاب الكهف: قصة أهل الكهف هي من روائع القصص القرآني: إنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى ففروا بدينهم إلى الكهف وهو غار بالجبل واختبئوا فيه لمدة 300 سنة شمسية و309 قمرية ومكثوا فيه نياما. ولكن الله أراد أن يحفظ هؤلاء الفتية الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل العقيدة فهيأ لهم الأسباب لذلك. فكان الله يعطيهم القدر الكافي من أشعة الشمس لصناعة الفيتامين D الضروري لتقوية العظام والأسنان فكانت الشمس تمر بالكهف في أفضل الأوقات للاستفادة من الأشعة دون ضرر وهو وقت بزوغ الشمس ووقت الغروب. فكانت الشمس تميل عن كهفهم ذات اليمين في وقت البزوغ وتحيد عنهم برفق عند الغروب قال تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} [الكهف آية: 17].
Quatre: ونجد في القرآن مظهرا آخر من مظاهر إعجاز الله في رعاية أهل الكهف في الآية الآتية:
Cinq:
{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 18].
Six:
إن تقليب أهل الكهف بصفة مستمرة وبانتظام زمني محدد يمنع حدوث التقرحات السريرية (Escaries) التي تنتج عن منع وصول الدم إلى البشرة بسبب ثقل الجسد وضغطه على الأوعية الدموية الموجودة في الأدمة فيكون حائلا بين وصول الدم إلى البشرة فتموت خلاياها وتظهر بقع حمراء التي يمكن أن تؤدي إلى الإنتان (Infection) والموت إذا لم يتم تفاديها وعلاجها.
Seven:
Eight:
الجلد وحرارة الجسم:
Nine:
بين وظائف الجلد وظيفة المحافظة على درجة حرارة الجسم ثابتة، فهو مكيف ذاتي.يستطيع الجلد المحافظة على درجة الحرارة ثابتة (C° 37) ما لم يتعرض لحرارة (45°C) مع الرطوبة المطلقة أو 60°C مع الجفاف التام. وهذه الوظيفة يقوم بها الجلد عن طريق ظاهرة التعرّق نتيجة وجود 3 إلى 4 مليون غدة عرقية في الجلد.و إفرازات هذه الغدد العرقية تتوافق مع درجة الحرارة الخارجية ويصل العرق إلى مسام الجلد عبر قنوات تخرج من الغدد العرقية وبعد التعرّق يحدث التبخر على مساحة عريضة من الجلد مما يسمح بفقدان الحرارة الزائدة.وإذا فشلت الغدد العرقية، مثلا عند تعرض كبار السن لأشعة الشمس الشديدة لفترة كافية، أو نتيجة بذل جهد عضلي شاق وخاصة في أجواء الرطوبة العالية فترتفع درجة الحرارة إلى C°40- C°41 ويجف الجلد ويعتري المريض الهذيان ثم يفقد الوعي وتحترق أعضاؤه الداخلية تدريجيا حتى الموت. من هنا يتبين لنا أهمية هذه الغدد الصغيرة التي سخرها الله للقيام بهذه الوظيفة المهمة. إن الله الذي خلق وقدر ودبر وهو على كل شيء قدير.
Dix:: شخصية الفرد والبصمات:
قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ}.
يعود الفضل في اكتشاف البصمات إلى أستاذ التشريح البولندي بركنجي والبصمات هي تسجيل للتعرجات التي تنشأ عن التحام طبقة الأدمة مع البشرة.
وهي تختلف من شخص لآخر، فلا تتوافق ولا تتطابق أبدا بين شخصين وتبقى من الشهر الثالث من الحمل إلى الموت وتختلف بصمة كل أصبع عن الآخر، وخلال العمر فالبصمة لا تتبدل أبدا حتى إذا احترق الجلد ينمو محله جلد جديد بنفس البصمات تماما دون أن تتبدل.
ولهذا فلا غرابة أن يكون البنان إحدى آيات الله التي وضع فيها هذه الأسرار، هذه الدقة المتناهية: لا يوجد شخصان يتشابهان في البصمات بل وحتى بصمات أصبع تختلف عن بصمات الأصابع الأخرى. فهي تشهد بدون التباس فتكون خير دليل وأصدق شاهد في الدنيا والآخرة. فالبصمات تنطق باسم صاحبها دليلا على اقتراف الجريمة في الدنيا. وتكون أيضا شاهدا علينا يوم القيامة فتنطق بالحق حين يخرس اللسان.
يقول الله تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت 21].
الشعر:
لا يمكن أن نتكلم على الجلد دون أن نتكلم على الشعر لأنه ينبت في الجلد، وسنرى بعض آيات الله في تطور الشعر ونموه.
كيف أن شعر الرأس يطول باستمرار بينما شعر الحاجب والشفر يبقى قصيرا.
يفسر هذا بدورة نمو الشعر: التي تتميز بتعاقب ثلاث مراحل تختلف نسبة كل منها حسب منطقة نمو الشعر.
1- (Anagène) مرحلة النمو المطردة: تشمل % 85 من شعر الرأس وتدوم أطول فترة 6- 8 سنوات. وفي هذه المرحلة لا يفتر الشعر عن النمو.
2- (Telogène) مرحلة الراحة: تدوم 3- 6 أشهر، 10- 15 %من شعر الرأس. أما شعر الحاجب فهو قصير لأن دورة النمو المطردة فيه لا تدوم أكثر من شهور قليلة. هناك جينات هي التي تتحكم في ضبط هذه المراحل المختلفة فيما يتناسب مع نسق الشعر في أماكن الجسم المختلفة.
فلنتأمل هذا الصنع الدقيق والمحكم:
- شعر الحاجب يحمي العين من تسرب العرق إليها لذا كان قصيرا ولكي يحافظ على جمال الوجه وتناسقه.
- شعر الرأس يطول ويدخل في زينة الرجل والمرأة. فمن أذن لهذا الشعر أن يطول بهذا المقدار ولشعر آخر بنفس المكونات ونفس الخصائص أن يطول بمقدار أقل؟.
{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [لقمان: 11].
دعوى أخرى للتأمل: في كيفية تكويننا، إنها الدقة في الإتقان سبحان الله:
- من الذي جعل جلد ظاهر اليد غير مثبت مع اللحم: ليسمح بتحريك الأصابع.
- ومن الذي جعل جلد باطن اليد مثبتا على اللحم يمكّننا في التحكم في حمل الأشياء لكي لا يسقط كل شيء نريد حمله.
- يجب أن ننظر ونتأمل في كيفية تكويننا نظرة تأمل وتفكر تجعلنا نستشعر عظمة الخالق.
وقد أمرنا الله في آيات كثيرة بالنظر والتفكر في خلقه:
- {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [يونس: 101].
- {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [يونس: 32].
- {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21].
ولكن هناك من يرى كل هذه الآيات دون تأمل وتفكر واتعاظ وقد قال الله فيهم:
{وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105].
خاتمه:
إن هذا الموضوع الذي تطرقت إليه لا يمثل إلا نسبة بسيطة من آيات الله في علم الجلد وأسراره، فلم أتكلم في إعجاز الله في لون الجلد وقد قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} [الروم: 22].
ولم أفسر الآية القرآنية {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: 23]. وكذلك جوانب أخرى من إعجاز الله في الجلد.
فما بالكم بباقي الأعضاء والأجهزة الأخرى: الجهاز العصبي والقلب والشرايين والعظام والمفاصل والطب النفسي... فكيف بباقي المعجزات الكونية الأخرى: علم الفلك، علم البحار والجيولوجيا وغيرها. ولهذا ندعو ونحث على ضرورة تظافر جهود علماء المسلمين كلّ في ميدان اختصاصه لشرح آيات الله وإيضاح تطابق الحقائق العلمية مع الآيات القرآنية التي تتطابق معها لأن هذا العصر هو عصر العلم ولغة هذا العصر هي العلم، ولن نبرهن للغرب بحقيقة هذا الدين، وأنه الدين العام لكل مكان وزمان إلا بالعلم. فالعلم نعمة من الله ويجب أن نسخرها في طاعة الله لأننا سنسأل يوم القيامة عن علمنا ماذا عملنا به. لنجتهد جميعا في طلب العلم قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. وإذا كان العلم الممدوح في الإسلام هو كل علم يكشف عن حقيقة مبثوثة في الكون وكل علم فيه مصلحة للإنسانية فيبقى العلم الأعلى هو العلم الشرعي فهناك حد أدنى من هذا العلم يجب على كل مسلم معرفته والعمل به لكي لا نكون ممن قال الله فيهم في سورة الروم: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ. يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} فانظر كيف نفى عنهم العلم بقوله سبحانه: {لا يعلمون} مع أنهم كانوا يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا فهذا الحال ينطبق على الغرب فهم برعوا في العلوم المادية ولكن غافلون عن المصير. فمهما وصلوا إليه من تقدم واختراعات واكتشافات فإنهم لا يشعرون بالسعادة الحقيقية التي لا يشعر بها إلا المؤمن الذي تعلق قلبه بالله.
فقد أثبتت الإحصائيات أن الانتحار يمثل عندهم 10 % من أسباب الموت وأن امرأة على ثمانية (8/1) تتناول الأدوية المهدئة ورجل على 12 (12/1) يأخذ هذه المسكنات وصدق الله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124].أما نحن المسلمون فقدوتنا العلماء الذين ساروا بمسيرة المعرفة الإنسانية في أول الإسلام فجمعوا بين العلوم الدينية والعلوم المادية أمثال:
- ابن رشد: وكتابه الكليات.
- ابن الهيثم: وكتابه في البصريات.
- ابن سينا: وكتابه في القانون.
- الخوارزمي: وكتابه في الجبر والمقابلة.
- ابن النفيس: الذي اكتشف الدورة الدموية وعرّف تركيب الرئة والأوعية الشعيرية وشرح حقيقة الحويصلات الرئوية.
عاش العالم ابن النفيس بين 607 و687هـ، وكان فيلسوفا وفقيها ولغويا وطبيبا.
إن ذكر هؤلاء العلماء يحرك أصحاب الهمم والعزائم ليسيروا في نهجهم ويقتدوا بهم.
إن العلم بحر لا شاطئ له، وكلما تعمق طالبه فيه تبينت له معالم كانت خفية، فعلى المسلم الحرص على زيادة المعرفة وطلب العلم حتى الممات.
فلنواصل مسيرتنا في طلب العلم ومهما بلغنا من العلم فإن الله يخاطبنا ويقول: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا} [الإسراء: 85]. وقال تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
اللهم علمنا ما ينفعنا، ونفعنا بما علمتنا وزدنا علما. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قرأ الجمهورُ: {نصليهم} بِضَمِّ النونِ مِنْ أصْلَى، وحُمَيْدٌ: بِفَتْحِهَا مِنْ صَلَيْتُ ثُلاثِيَّا. قال القَرْطُبِيُّ: ونَصْبُ: {نارًا} على هذه القراءةِ، بِنَزْعِ الخَافِضِ تقديرهُ: بنارٍ. وقَرأ سَلاَّم، ويَعْقُوبُ: {نصليهُم} بضَمِّ الهَاءِ، وَهِيَ لُغَةُ الحِجَازِ، وقد تَقَدَّمَ تَقْرِيرهُ.
وقال سِيبويْهِ: سوف كَلِمَةٌ تُذكَرُ لِلتَّهديدِ، والوَعِيدِ: يُقَالُ: سَوْفَ أفْعَلُ، وَينوبُ عَنْهَا حرفُ السين؛ كقوله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26] وقد يردُ سوف والسِّينُ: في الوَعْدِ أيْضًا: قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} [الضحى: 5]، وقال: {سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي} [مريم: 47]، وقال: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ربي} [يوسف: 98]، قِيلَ، أخَّرَهُ إلى وقْتِ السَّحر؛ تَحْقِيقًا للدعاءِ، وبالجملةِ، فالسَّينُ، وسَوْفَ: مَخْصُوصَتَانِ بالاسْتِقْبَالِ.
قوله: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ}، {كُلَّمَا}: ظَرْفُ زَمَانٍ، والعَامِلُ فيها {بَدَّلْنَاهُمْ}، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ على الحَالِ، مِنَ الضميرِ المنْصُوبِ في {نُصْلِيهِمْ}، ويجوزُ أنْ يكونَ صِفَةً لـ {نارًا} والعائِدُ محذوفٌ، ولَيْسَ بالقَوِيِّ، و{ليذوقوا} مُتعلِّقٌ بـ {بدلناهم}.
قال القُرْطُبِيُّ: يُقالُ: نَضِجَ الشَّيْءُ نُضْجًا ونَضجًا، وفلانٌ نَضِيجُ الرَّأي: أيْ: مُحْكَمُهُ. اهـ. بتصرف يسير.

.تفسير الآية رقم (57):

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر الترهيب بعقاب الكافرين أتبعه الترغيب بثواب المؤمنين فقال: {والذين آمنوا} أي أقروا بالإيمان {وعملوا} بيانًا لصدقهم فيه {الصالحات سندخلهم} أي بوعد لا خلف فيه، وربما أفهم التنفيس لهم بالسين دون سوف- كما في الكافرين- أنهم أقصر الأمم مدة، أو أنهم أقصرهم أعمارًا إراحة لهم من دار الكدر إلى محل الصفاء، وأنهم يدخلون الجنة قبل جميع الفرق الناجية من أهل الموقف {جنات} أي بساتين، ووصفها بما يديم بهجتها ويعظم نضرتها وزهرتها فقال: {تجري من تحتها الأنهار} أي إن أرضها في غاية الريّ، كل موضع منها صالح لأن تجري منه نهر.
ولما ذكر قيامها وما به دوامها، أتبعه ما تهواه النفوس من استمرار الإقامة بها فقال: {خالدين فيها أبدًا} ولما وصف حسن الدار ذكر حسن الجار فقال: {لهم فيها أزواج} والمطرد في وصف جمع القلة لمن يفضل الألف والتاء، فعدل هنا عن ذلك إلى الوحدة لإفهام أنهن لشدة الموافقة في الطهر كذات واحد فقيل: {مطهرة} أي متكرر طهرها، لا توجد وقتًا ما على غير ذلك.
ولما كانت الجنان في الدنيا لا تحسن إلا بتمكن الشمس منها وكانت الشمس تنسخ الظل فتخرج إلى التحول إلى مكان آخر، وربما آذى حرها، أمّن من ذلك فيها بقوله: {وندخلهم} أي فيها {ظلًا} أي عظيمًا، وأكده بقوله: {ظليلًا} أي متصلًا لا فرج فيه، منبسطًا لا ضيق معه دائمًا لا تصيبه الشمس يومًا ما، ولا حر فيه ولا برد، بل هو في غاية الاعتدال. اهـ.